Skip to Content
لا علاقة أبداً بين الإنتاجية وساعات العمل، في بيئات العمل المحفزة على الإنتاجية، فليس كل من يبقى ساعات أطول في مكتبه هو بالضرورة أكثر إنتاجاً من غيره، والعكس أيضاً صحيح، فليس كل موظف بعيد عن مكتبه هو موظف خامل أو كسول، لا يمكن الربط بين قضاء الساعات في مكان العمل والإنتاجية، فهي مسألة نسبية، تعتمد على طبيعة العمل أولاً، وعلى الموظفين ثانياً.

في هيئة المعرفة بدبي تم تطبيق نظام دوام فريد من نوعه، لم أشاهده أو أسمع عنه في أي مكان آخر، داخل الدولة أو حتى خارجها، نظام يثبت أن الإنتاجية غير مرتبطة بساعات العمل، بل هي أكثر ارتباطاً بالبيئة الداخلية وجو العمل، فإن كانت البيئة الداخلية مشجعة ومحفزة على العمل زادت إنتاجية الموظفين بطريقة مدهشة، والعكس صحيح، إن كانت بيئة العمل محبطة وسلبية قلّت الإنتاجية، وإن جلس الموظفون في مكاتبهم طوال ساعات اليوم!

من حق الموظف في هيئة المعرفة أن يترك عمله ويغادر فوراً، دون شرط أو قيد أو طلب إجازة، إذا شعر بتعب أو إرهاق أو حتى بضيق، أو فقدان مزاج العمل، أو حتى من دون سبب، فقط لأنه يشعر بألا رغبة لديه لاستكمال عمله لهذا اليوم، هكذا بكل بساطة يترك المكان ويغادر إلى أي مكان آخر، لتحسين حالته المزاجية، ومن ثم فله الخيار في أن يعود أو لا يعود بقية اليوم إلى مكان عمله!

الأغرب من ذلك أنه لا يوجد أساساً في مبنى الهيئة جهاز للحضور أو الانصراف، ولا حاجة لأن يختم الموظف ساعة حضوره أو مغادرته العمل، لا عن طريق بطاقة ولا عن طريق البصمة، فالموظف له الحق في الحضور متى شاء، وله حق الانصراف متى ما شاء، لكن عليه التزامات ومهام لابد أن يؤديها في اليوم والشهر والسنة!

قد يعتقد كثيرون أن في ذلك استهتاراً أو «دلعاً» زائداً للموظفين، أو أن هذا النظام غير مجدٍ، ولا يتناسب مع طبيعة «غالبية» موظفينا الميّالة للخروج، والغياب، وعدم الحضور في الوقت المحدد لبدء الدوام، لكنه في هيئة المعرفة حقق نجاحاً لافتاً، ومدهشاً، حيث تشير الأرقام لديهم إلى أن الإنتاجية زادت ولم تقلّ، ووجود الموظفين وحضورهم في مقر العمل زاد ولم يقلّ، والاستئذان من الدوام أثناء ساعات العمل ـ رغم كونه حقاً وفقاً لقانون الهيئة ـ قلّ ولم يزد، والرغبة في الوجود حتى بعد ساعات العمل الرسمية زادت عند الموظفين، أليس ذلك غريباً؟!

بقليل من المنطقية، ما الذي يمكن أن تجنيه المؤسسة من موظف لا يرغب في العمل لأي سبب كان؟ بالتأكيد لا شيء، وتالياً السماح له بالخروج أفضل بكثير من بقائه جامداً. بالتأكيد هي ليست دعوة إلى الاستهتار بساعات العمل، وأدرك تماماً أن مثل هذا النظام لا يمكن تطبيقه في بقية الدوائر والهيئات، لأسباب عدة، لكن المهم هنا أن نفهم العلاقة بين الإنتاجية وبيئة العمل، وأن نعرف كيفية كسب الموظفين، وجعلهم يقدمون أفضل ما عندهم، ليس بالشدة والصراخ والإنذارات وخصم الرواتب، بل بخلق بيئة عمل مريحة، تساعد على الإنتاج والابتكار، وخلق طاقة إيجابية تشع في جميع جنبات المكان، هذه الطاقة هي الكفيلة برفع مستوى الإنتاجية في العمل، ورفع مستوى الموظف، وهي الكفيلة بجعله ينسى نفسه، ويتفانى في خدمة الدائرة والمراجعين، ويقضي ساعات طويلة يخدم فيها المراجعين، دون أن يطلب منه أحد ذلك! أما في بيئات العمل غير المصممة على اعتبار الإنجاز معياراً لقياس الأداء، وغير المحفزة على الإنتاج أصلاً، فتظل ساعات العمل هي الأداة المتاحة لقياس أداء الموظفين، دون غيرها.

نحتاج إلى أن نغير الروتين قليلاً، ونحتاج إلى أن نعطي الموظفين شحنات معنوية تعينهم على رفع مستواهم، وكفاءتهم، ونحتاج إلى أن نلغي سياسات قديمة، قائمة على مبدأ الإكثار من العقاب والتقليل قدر الإمكان من الثواب، ونحتاج إلى أن نكون أكثر جرأة في التعامل بإبداع وابتكار في ساعات الحضور والانصراف، فنحن أكثر الدول المؤهلة لمثل هذا النوع من الابتكار.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com
آخر تحديث للصفحة 31 ديسمبر 2019
كيف كانت تجربتك مع خدماتنا ؟ شاركنا برأيك.